الجمعة، 5 فبراير 2016

يخضع عقد الوكالة في الأصل للقواعد العامة التي ينص عليها ظهير الالتزامات والعقود.إلا أن هناك قواعد خاصة-تنطبق على العقود التجارية بصفة عامة وعلى عقد الوكالة التجارية بصفة خاصة-منها ما يتصل بقواعد الإثبات والتقادم كقواعد موضوعية،ومنها ما يتعلق بالتضامن والإخطار كقواعد شكلية.

وتفسر هذه القواعد بتعلقها بطبيعة المادة التجارية فيما يتعلق بالسرعة في المعاملات ودعم الائتمان، وتجب الإشارة إلى أن هناك قواعد أخرى غير تلك التي سنقوم بدراستها إلا أننا اقتصرنا على بعض المبادئ الأساسية فقط. 

المطلب الأول
القواعد الموضوعية


هناك العديد من القواعد الموضوعية التي تميز العقود التجارية،وخاصة عقد الوكالة التجارية عن غيره من العقود، ولعل أهم تلك القواعد التي سنتناولها هي المتعلقة بإثبات عقد الوكالة التجارية(الفقرة الأولى)ثم تقادم عقد الوكالة التجارية (الفقرة الثانية 

الفقرة الأولى
إثبات عقد الوكالة التجارية


يفرض المشرع قواعد محددة تعتبر بمثابة قيود على مبدأ الإثبات في المادة المدنية ومثال ذلك الفصل 443 من ظهير الالتزامات والعقود ،وعلى عكس ذلك فعل في المادة التجارية حيث اقر مبدأ حرية الإثبات في المادة 334 من مدونة التجارة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كالتالي: هل يخضع عقد الوكالة التجارية كعقد تجاري لمبدأ حرية الإثبات أم أن هناك شكلية معينة يتطلبها المشرع في هذا العقد حتى يكون صحيحا ومنتجا للإثارة؟

قبل الخوض في الحديث عن إثبات هذا العقد لابد من التطرق إلى مفهوم الشكلية في العقد، التي يقصد بها الشكل الذي يتطلبه المشرع في عقد معين، ونقصد هنا مسالة الكتابة.فهذه الأخيرة إذا كانت شرطا لصحة العقد فان عدم توفرها يؤدي إلى انعدام العقد من أساسه،أما إذا كانت غير مطلوبة لصحة العقد وإنما لإثباته فقط،فان انعقاد العقد بدون كتابته يعتبر صحيحا ولا يطرح أي مشكل إلا في حالة حدوث نزاع حيث يجب على الأطراف في هذه الحالة الإدلاء بدليل أو حجة على ما تم التعاقد بشأنه.

ومن خلال النصوص المنهجة لعقد الوكالة التجارية فان المشرع لم يشترط فيما شكلا معينا لصحة العقد،حيث يمكن منح الوكالة شفويا،كما يمكن استنتاجها ضمنيا أو من خلال تنفيذها من طرف الوكيل التجاري ورجوعا إلى المادة 397 من مدونة التجارة نسجل أن المشرع تطلب الكتابة في عقد الوكالة التجارية من اجل إثبات العقد وعند الاقتضاء، إثبات تعديلاته، وليس من اجل صحة العقد.

ويعتبر هذا البند استثناء من القاعدة العامة التي تنص على مبدأ حرية الإثبات بموجب المادة 334 من مدونة التجارة.إلا انه من المنطق أن تتم كتابة العقد حسب نظرنا لأنها هي الوسيلة الفعالة لحماية الوكيل التجاري في مواجهة الموكل من الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها جراء عدم كتابة بنود العقد.

وبالنظر إلى أن المشرع قيد إثبات عقد الوكالة التجارية بالكتابة،فان حماية الوكيل التجاري. تقتضي تفسير الكتابة تفسيرا واسعا،وبالتالي تعتبر الرسائل المتبادلة بين الطرفين بمثابة عقد مكتوب،ولكن يشترط في الوثيقة المحررة أن توضح صفة الأطراف، وهكذا فان الكتابة المطلوبة بمقتضى المادة 397 من مدونة التجارة لا تفرض في الكتابة أن تكون عبارة عن وثيقة واحدة موقع عليها من الطرفين وتحمل اسم ''عقد'' وإنما كل كتابة تم التوقيع عليها من طرف الموكل ومن شانها توضيح طبيعة العقد ومحتواه.

فالكتابة إذا هي أداة ذات أهمية كبرى،تمكن أطراف العقد من تجنب أي لبس أو غموض يتعلق بطبيعة العلاقة بينهما،إلا أن المشرع لم يلزم الموكل والوكيل بها كشرط لصحة العقد الرابط بينهما ولكنه جعلها مجرد وسيلة للإثبات تخضع لاتفاق الأطراف. 

الفقرة الثانية
تقادم عقد الوكالة التجارية


تبرر السرعة التي تعرفها المعاملات التجارية، إقدام المشرع على اعتماد آجال تقادم قصيرة،فإذا كان الأصل في الآجال هو 15 سنة في المواد المدنية فانه لا يتجاوز خمس سنوات في المادة التجارية وذلك بمقتضى المادة 5 من مدونة التجارة.

وبما أن المشرع لم ينص ضمن النصوص المنظمة للوكالة التجارية عن تقادم الدعاوي الناشئة عن عقد الوكالة التجارية ولا ضمن النصوص المنظمة للوكالة المدنية.إلا أنها تخضع لمقتضيات المادة 5 التي تطبق على المادة التجارية بصفة عامة، ولكن إذا ما رجعنا إلى الفصل 389 من ظهير الالتزامات والعقود نجده ينص على انه تتقادم بسنة ذات ثلاثمائة وخمسة وستين يوما:
1)...
2)دعوى الوسطاء من اجل استيفاء السمسرة،ابتداء من إبرام الصفقة

الإشكال الذي يطرح هنا هو بصدد عبارة ''الوسطاء'' حيث أن عقد الوكالة التجارية يدخل ضمن أعمال الوساطة التجارية ولكن المشرع أحسن عندما أكمل العبارة ب''من اجل استيفاء السمسرة''وبذلك يكون قد حدد مجال تطبيق هذه المادة في عقود السمسرة،وتبقى بذلك الوكالة التجارية خاضعة للتقادم الخمسي المنصوص عليه في مدونة التجارة.

إضافة إلى المادة 388 من ظهير الالتزامات والعقود التي تنص على ما يلي:

تتقادم بخمس سنوات دعوى التجار والموردين أو أرباب المصانع من بسبب التوريدات التي يقدمونها لغيرهم من التجار أو الموردين أو أرباب المصانع من اجل حاجات مهنهم 

المطلب الثاني
القواعد الإجرائية


إن عقد الوكالة التجارية يستلزم كغيره من العقود التجارية احترام مجموعة من الضوابط الإجرائية المتعلقة بتنفيذ العقد أو انقضاءه.وهي إجراءات يتطلبها العمل التجاري بصفة عامة لحماية السرعة والائتمان في هذا الميدان، وتتنوع هذه الإجراءات حسب مراحل القيام بالتصرفات القانونية.وتشمل على سبيل المثال نظام الفوائد،ونظام المهل القضائية،إلا أننا سنقتصر فقط على مبدأ أي التضامن والإخطار نظرا لأهميتها البالغة في هذا العقد وسيكون ذلك في فقرتين. 

الفقرة الأولى:
مبدأ التضامن في عقد الوكالة التجارية


إذا كان التضامن غير مفترض في الميدان المدني طبقا للفصل 164 من ظهير الالتزامات والعقود، فان القاعدة في الميدان التجاري هي افتراض التضامن من بين المدينتين وقد نصت على ذلك المادة 335 من مدونة التجارة فيما يلي:''يفترض التضامن في الالتزامات التجارية'' إضافة إلى ما نص عليه الفصل 165 من ظهير الالتزامات حيث جاء بما يلي"يقوم التضامن بحكم القانون في الالتزامات المتعاقد بين التجار لأغراض المعاملات التجارية وذلك ما لم يصرح السند المنشئ للالتزام أو القانون بعكسه.

أما فيما يخص عقد الوكالة التجارية فليس هناك أي نص ضمن القسم الثاني من الكتاب الرابع المنظم له،يقضي بافتراض التضامن بين المدينتين .لكن بما أن هذا العقد يخضع للقواعد الخاصة إضافة للقواعد العامة المنظمة للوكالة المدنية فلا بد من الرجوع إلى هذه الأخيرة في إطار ظهير التزامات والعقود حيث نجد الفصل 912 منه ينص على ما يلي''إذا تعدد الوكلاء فان التضامن لا يقوم بينهم إلا إذا اشترط ومع ذلك فان التضامن يقوم بقوة القانون بين الوكلاء

1)إذا حدث الضرر للموكل بتدليسهم أو بخطئهم المشترك وتعذر تحديد نصيب كل منهم في وقوعه.
2)إذا كانت الوكالة غير قابلة للتجزئة.
3) إذا أعطت الوكالة بين التجار لأعمال التجارة،ما لم يشترط غير ذلك،إلا أن الوكلاء ولو كانوا متضامنين،لا يسألون عما يكون قد أجراه احدهم خارج حدود الوكالة أو بإساءة مباشرتها

لكن هذا النص يبقى غير ملزما،إذ يمكن الاتفاق على عدم التضامن بين المدينتين لان قاعدة افتراض التضامن ليست من النظام وبالتالي يجوز الاتفاق على مخالفتها. 

الفقرة الثانية
الإخطار في عقد الوكالة التجارية 

إن كل مطالبة بالتعويض عن عدم الوفاء بالالتزامات إما يقتضى في المواد المدنية إعذار المدين وإخطاره بالوفاء،وان كان الأمر يكتسي طابعا شكليا متميزا في المواد المدنية،فان العرف قد جرى في المواد التجارية على حصوله بمجرد خطاب عادي أو شفاهي،وذلك تماشيا مع ما تتطلبه التجارة من سرعة في الإجراءات.

وتتجسد هذه القاعدة في عقد الوكالة فيما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 395 من مدونة التجارة بوجوب''التزام الأطراف بقواعد الصدق والإعلام'' وما يهمنا هنا هو عبارة الإعلام التي يقصد بها تبصير كل طرف لآخر وإخطاره وإخباره بما ينوي الإقدام عليه،وقد قام المشرع بالتأكيد على مبدأ الإخطار في المادة 396 في فقرتها الثانية حيث نصت انه''يمكن لكل طرف وضع حد لعقد غير محدد المدة بتوجيه إشعار للطرف الآخر''. ثم حدد المشرع آجال الإخطار وقواعد احتسابه في نفس المادة، هذا ويجب التنبيه إلى أن هذه القاعدة يرد عليها استثناء يتمثل في الحالة التي يقوم فيها الموكل بفسخ العقد دون سابق إنذار إذا ارتكب الوكيل التجاري خطأ جسيما طبقا لنفس المادة.

أما فيما يخص المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يلحق الوكيل التجاري من جراء إنهاء عقد الوكالة التجارية، فقد جعله المشرع رهينا بتوجيه إشعار إلى الموكل بخبره في بنيته في المطالبة بحقوقه في التعويض داخل اجل سنة من تاريخ إنهاء العقد، طبقا للمادة 402 من مدونة التجارة في فقرتها الأولى.

هناك تعليق واحد: